{والضحى} هُوَ وقتُ ارتفاعِ الشمسِ وصدرُ النهارِ قالُوا: تخصيصُهُ بالإقسامِ بهِ لأنَّها الساعةُ التي كلَّم فيهَا مُوسَى عليهِ السلامُ وألقَى فيهَا السحرةُ سُجدّاً لقولِه تعالَى: {وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى} وقيلَ: أريدَ بهِ النهارُ كمَا في قولِه تعالَى: {أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى} في مقابلةِ بياتاً {واليل} أيْ جِنْسِ الليلِ {إِذَا سجى} أيْ سكنَ أهلُه أو ركدَ ظلامُه من سَجَا البحرُ سَجْواً إذَا سكنَتْ أمواجُهُ، وَنُقِلَ عن قتادةَ ومقاتلٍ وجعفرٍ الصَّادقِ أنَّ المرادَ بالضُّحَى هُوَ الضُّحى الذي كلَّمَ الله تعالَى فيهِ مُوسَى عليهِ السلامُ وبالليلِ ليلةُ المعراجِ وقولُه تعالَى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} جوابُ القسمِ أيْ ما قطعكَ قطعَ المودعِ وقرئ بالتخفيفِ أيْ ما ترككَ {وَمَا قلى} أيْ ومَا أبغضكَ وحَذفُ المفعولِ إما للاستغناءِ عنْهُ بذكرِهِ من قبلُ أو للقصدِ إلى نفي صدورِ الفعلِ عنْهُ تعالَى بالكليةِ مع أنَّ فيهِ مراعاةً للفواصلِ. رُوي أنَّ الوحيَ تأخرَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أياماً لتركِه الاستثناءَ كما مَرَّ في سُورةِ الكهفِ أو لزجرِهِ سائلاً ملحاً فقالَ المشركونَ: إنَّ محمداً ودعَهُ ربُّهُ وقلاَهُ فنزلتْ رَدًّا عليهم وتَبْشيراً لهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بالكرامةِ الحاصلةِ والمترقبةِ كما يُشعِرُ به إيرادُ اسمِ الربِّ المنبىءِ عنِ التربيةِ والتبليغِ إلى الكمالِ معَ الإضافةِ إلى ضميرِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ وحيثُ تضمنَ ما سبقَ من نفي التوديعِ والقِلَى أنَّه تعالى يواصلُه بالوَحْي والكرامةِ في الدُّنيا بشرهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بأنَّ مَا سيؤتيه في الآخرةِ أجلُّ وأعظمُ من ذلكَ فقيلَ: {وَلَلأَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى} لما أنَّها باقيةٌ صافيةٌ عنِ الشوائبِ على الإطلاقِ وهذه فانيةٌ مشوبةٌ بالمضارِّ وما أوتِي عليهِ الصلاةُ والسلامُ من شرفِ النبوةِ وإنْ كانَ مما لا يعادلُه شرفٌ ولاَ يُدانيهِ فَضلٌ لكنَّهُ لا يخلُو في الدُّنيا من بعضِ العوارضِ الفادحةِ في تمشيةِ الأحكامِ معَ أنَّه عندَمَا أعدَّ لهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ في الآخرةِ من السبقِ والتقدمِ على كافةِ الأنبياءِ والرسلِ يومَ الجمعِ {يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبّ العالمين} وكونُ أمتِه شهداءَ على سائرِ الأممِ ورفعُ درجاتِ المؤمنينَ وإعلاءُ مراتبِهم بشفاعتِه وغيرُ ذلكَ من الكراماتِ السنيةِ التي لا تحيطُ بهَا العبارةُ بمنزلةِ بعضِ المبادِي بالنسبةِ إلى المَطَالبِ وقيلَ: المرادُ بالآخرةِ عاقبةُ أمرِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ أيْ لنهايةُ أمركَ خيرٌ من بدايتِه لا تزالُ تتزايدُ قوةً وتتصاعدُ رفعةً.